زيادة رواتب الموظفين في سوريا بنسبة 200%: بين محاولات الإنقاذ الاقتصادي والتحديات البنيوية
تقرير خاص – why-syria
في ظل ظروف اقتصادية هي الأصعب منذ عقود، أعلنت الحكومة السورية عن زيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية بنسبة 200%، ورفعت الحد الأدنى للأجور إلى 750,000 ليرة سورية، في خطوة وُصفت بأنها “تاريخية”، وتهدف إلى تعزيز القدرة الشرائية المنهارة، والتخفيف من الضغوط المعيشية المتصاعدة.
❖ أولاً: تفاصيل القرار… ما الذي تغير؟
بحسب البيان الصادر عن رئاسة الحكومة في 30 حزيران 2025، فإن الزيادة تشمل:
موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري.
المتقاعدين والعاملين في القطاعين العام والخاص.
رفع الحد الأدنى للأجور من 215,000 ليرة إلى 750,000 ليرة سورية.
كما تضمنت الحزمة إجراءات مرافقة تشمل:
تعويض معيشي إضافي بنسبة 50% للعاملين ضمن فئات الدخل الأدنى.
زيادة المخصصات الشهرية لبعض الشرائح كذوي الشهداء والمتقاعدين العسكريين.
إقرار مراجعة نصف سنوية للرواتب وفق معدلات التضخم.
❖ ثانيًا: خلفية القرار – لماذا الآن؟
لم تأتِ هذه الخطوة من فراغ، بل جاءت وسط تدهور اقتصادي ومعيشي غير مسبوق:
انخفاض سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات قياسية، حيث تجاوز 30,000 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء.
ارتفاع معدلات التضخم بنسبة تجاوزت 140% وفق تقديرات غير رسمية.
تراجع الدعم الحكومي على البنزين، الغاز، الخبز، والكهرباء، ما زاد الضغوط على المواطن.
زيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية بنسبة تجاوزت 200% خلال عام واحد.
وقد دفعت هذه الأوضاع الحكومة إلى “اتخاذ إجراءات سريعة لتقليل الفجوة بين دخل المواطنين والأسعار”، بحسب ما صرّح به وزير المالية السوري في مقابلة رسمية (⁽¹⁾).
❖ ثالثًا: هل تحقق الزيادة الأثر المطلوب؟
من الناحية النظرية، فإن زيادة الأجور بهذا الشكل يُفترض أن تحسّن من قدرة المواطن على تلبية احتياجاته. ولكن الواقع أكثر تعقيدًا.
وفق الخبير الاقتصادي د. أنور بدر:
“الزيادة مفيدة نفسيًا ومعنويًا، لكنها تفقد تأثيرها بسرعة إن لم تُرفق بضبط الأسعار ومنع استغلال الأسواق… المواطن لا يربح إن كانت السلعة ترتفع قبل نزول راتبه إلى الحساب.”
وتُشير دراسات اقتصادية إلى أن كل زيادة في الأجور دون رقابة على الأسواق قد تؤدي إلى دورة جديدة من التضخم، خصوصًا في اقتصاد غير إنتاجي، يعتمد على الاستيراد ويفتقر لاحتياطات نقدية قوية.
❖ رابعًا: المشهد من منظور المواطن
في جولة ميدانية أجراها فريق why-syria في دمشق وطرطوس وحلب، قال العديد من الموظفين إنهم يشعرون بارتياح “مؤقت” بعد إعلان الزيادة، لكنهم أبدوا تخوفًا من:
تسارع ارتفاع الأسعار بعد إعلان القرار.
تراجع خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات رغم الزيادة.
احتمال رفع الدعم بالكامل في الفترة القادمة.
إحدى الموظفات في قطاع التعليم قالت:
“قبل الإعلان، كنت أعيش على السُلفة… واليوم بعد الإعلان، أشعر بفرحة، لكن كل محل بلش يرفع السعر فورًا!”
❖ خامسًا: الإصلاح الهيكلي… هل هناك خطة شاملة؟
البيان الحكومي أشار إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن “رؤية شاملة لإصلاح الاقتصاد السوري”، وتتضمن:
إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحديث التشريعات المالية.
تفعيل دور المصارف الخاصة والتمويل الأصغر في تحفيز الاستثمار الصغير.
تشجيع الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
تحسين بيئة العمل القانونية لجذب الاستثمار السوري في الخارج.
لكن مراقبين يرون أن نجاح هذه الرؤية يتطلب:
ضمان استقرار سياسي واقتصادي.
فتح قنوات استثمارية حقيقية أمام رأس المال الوطني والمغتربين.
محاربة الفساد والاحتكار في الأسواق المحلية.
❖ سادسًا: التحديات المقبلة… هل يمكن كبح التضخم؟
في ضوء التجارب السابقة، فإن رفع الرواتب لم يكن كافيًا ما لم يترافق مع:
رقابة صارمة على الأسعار والأسواق.
زيادة الإنتاج المحلي لخفض الاعتماد على الواردات.
ضبط سعر الصرف وتفعيل أدوات السياسة النقدية.
يقول المحلل الاقتصادي كمال عز الدين:
“الأجور لا تعني شيئًا إذا كانت الليرة تُفقد قيمتها يوميًا، والمواطن يلهث وراء الأسعار… نحتاج لحلول هيكلية لا مسكنات.”
❖ سابعًا: البعد الاجتماعي والنفسي لزيادة الرواتب
لا تقتصر آثار قرار رفع الأجور على البعد الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى الجانب الاجتماعي والنفسي الذي لا يقل أهمية. فوسط أجواء من الإحباط العام، والضغوط المتزايدة التي يتعرض لها المواطن السوري يوميًا، جاءت هذه الخطوة بمثابة رسالة طمأنة وإعادة اعتبار لشريحة الموظفين والمتقاعدين، الذين عانوا من ضعف الدخل لعقود.
تقول د. لينا الحاج، المتخصصة في علم الاجتماع الاقتصادي:
“عندما يشعر المواطن أن الدولة بدأت تعيد النظر في احتياجاته، يبدأ تدريجيًا باستعادة جزء من ثقته بالمؤسسات، وهذا يُخفف من مظاهر التوتر الاجتماعي والاحتقان.”
وتشير بعض التقارير إلى أن تحسين الدخل النسبي، حتى ولو كان مؤقتًا، يُسهم في خفض معدلات الهجرة الداخلية والخارجية، ويعزز من الاستقرار الاجتماعي، خاصة في المناطق التي شهدت اضطرابات سابقة.
لكن، بالمقابل، فإن عدم مرافقة هذا القرار بإصلاح حقيقي في الخدمات والبنية التحتية، قد يُفرغه من مضمونه، ويُحول هذه التوقعات الإيجابية إلى خيبة أمل جديدة، مما يجعل المساءلة والشفافية في التطبيق أمورًا جوهرية يجب ألا تُغفل.
✦ خلاصة تحليلية: بين الإصلاح والإرهاق الشعبي
لا شك أن الزيادة في الرواتب والمعاشات تحمل بُعدًا إنسانيًا مهمًا، وتمثل رسالة تطمين من الحكومة للمواطنين، لكن نجاحها الحقيقي مرهون بتكامل باقي عناصر المشهد الاقتصادي: من الرقابة، إلى الإنتاج، إلى الاستقرار.
وإلى أن يتحقق ذلك، ستظل هذه الزيادة محفوفة بمخاطر التآكل السريع في قيمتها، ما لم تُترجم إلى سياسة مالية واقتصادية متوازنة، تحمي المستهلك، وتعيد الثقة بالعملة، وتعيد تنشيط الدورة الاقتصادية للبلد بأكمله.
✧ مراجع ومصادر مقترحة:
موقع وزارة المالية السورية – بيان حول هيكلة الأجور، يونيو 2025
تقرير البنك الدولي: الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأزمة، إصدار 2024
نشرة سوق العمل – مركز الدراسات والأبحاث بجامعة دمشق، مايو 2025
تصريحات مدير مصرف سوريا المركزي – مقابلة على التلفزيون الرسمي
استقصاء Why-Syria حول الشارع السوري بعد قرار رفع الرواتب – يوليو 2025
هل تكفي هذه الخطوة؟
رغم أن الزيادة تمثل دفعة قوية للمواطنين، إلا أن إمكانية رفع الدعم وارتفاع تكاليف الطاقة والمواد قد يُضعف تأثيرها على أرض الواقع. تبقى مسألة الزيادة الحقيقية في الدخل مرتبطة بمعدلات التضخم والدخل الثابت للمواطن.
ذات صلة على Why‑Syria:
الأسئلة الشائعة
📢 لنستمع إليكم!
ما رأيكم بهذه الزيادة؟ وهل تعتقدون أنها كافية في ظل الأزمة الاقتصادية؟ شاركوا رأيكم في التعليقات وادعوا أصدقاءكم لقراءة المقال.
“`5